بالصراعات والفيضانات والجفاف.. السودان بين الشتات السياسي والتطرف المناخي
بالصراعات والفيضانات والجفاف.. السودان بين الشتات السياسي والتطرف المناخي
بين اقتتال وسيول وفيضانات وموجات جفاف، يعيش السودان فوق صفيح ساخن جراء الصراعات السياسية والظواهر المناخية المتطرفة.
ويعد السودان البلد الإفريقي الذي يواجه الضرر الأكبر في إجمالي الناتج المحلي، جراء ظاهرة الاحتباس الحراري، إذ تتراوح مظاهر التغير المناخي بين السيول والفيضانات ونقيضها على شكل موجات جفاف مع ارتفاع مطِّرد في معدلات درجات الحرارة.
يأتي ذلك في الوقت الذي يسير فيه السودان على أشواك أكثر من 100 يوم صراع واقتتال دامٍ، إثر اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في البلاد.
وتزيد تلك العوامل السياسية والمناخية الحادة من تمدد حالة الهشاشة التي تشهدها البلاد على مدى سنوات عدّة، وذلك رغم غنى مواردها الطبيعية والبشرية.
وخلال العقود الماضية، شهد السودان، لا سيما في المناطق الصحراوية وشبه الصحراوية -وتشمل ولايات نهر النيل والشمالية والبحر الأحمر- تناقصا في حجم الأمطار وارتفاعا متعاظما في درجات الحرارة.
ويقع السودان في منطقة تعتبر من الأكثر تأثراً بصورة سلبية بعمليات التغير المناخي، حتى وصل الأمر بأحد التقارير الدولية إلى القول إن "مناطق شاسعة في السودان قد تصبح غير قابلة للحياة البشرية"، الأمر الذي سيؤدي إلى موجات نزوح كبيرة نحو المناطق الحضرية وباتجاه النيل وروافده.
ووفق تقارير دولية، انحسر الغطاء النباتي "التصحر" بالسودان، حيث فقد ما بين ربع مليون إلى مليون وثلاثمئة ألف هكتار من الغطاء النباتي والغابي خلال العشرين عاماً الماضية، الأمر الذي جعل المناطق الصحراوية وشبه الصحراوية تشكل أكثر من ثلثي مساحة البلاد.
معاناة دارفور
وعلى إثر ذلك، شهدت مناطق غرب السودان، خاصة إقليم دارفور دورات متعاقبة من الجفاف الذي ضربها بصورة متواصلة منذ منتصف ستينيات القرن الماضي، حيث أسهمت عمليات الجفاف في إفقار التربة والغطاء النباتي، في الوقت الذي اعتمدت فيه نسبة تزيد على 70 بالمئة من السكان على الأرض للزراعة والرعي.
ومع تراجع الموارد الطبيعية، أصبحت النزاعات بين المزارعين والرعاة تتزايد حتى اعتبرت من الأسباب الرئيسية للصراع في "دارفور"، الذي انطلق بصورة واضحة في عام 2003 بعد أن ظل نار تحت الرماد لسنوات طويلة بسبب توالي موجات الجفاف والتصحر في المنطقة.
ويضاف إلى ذلك، سوء إدارة موارد الأرض والمياه طوال فترة العقود السبعة الماضية منذ استقلال البلاد، حيث ظل أكثر من نصف السكان تحت خط الفقر.
ورغم وجود عشرات الآلاف من قوات حفظ السلام للأمم المتحدة بتكلفة تقدر بمليارات الدولارات خلال فترة استمرت 13 عاماً، فإن دورة العنف استمرت في دارفور ووصلت إلى أعلى معدل لها في 2021 إذ بلغ عدد النازحين 260 ألفاً، وهو ما يماثل 4 أضعاف النازحين في عام 2020.
موسم الفيضان
ويشهد السودان بين شهري يونيو وسبتمبر من كل عام فترة بيئية حرجة، إذ تتصاعد فيها مناسيب الأنهار والنيل بسبب الفيضان، ما تنجم عنه عادة خسائر بشرية ومادية فادحة.
وفي عام 2020، شهد السودان أكبر فيضاناته مع وصول منسوب مياه النيل إلى مستويات قياسية لم يسبق تسجيلها من قبل، إذ غمرت الفيضانات 17 ولاية من أصل 18، ودمرت أكثر من 100 ألف عقار، بينما لقي ما يقرب من 100 شخص مصرعهم وأصيب ما يقرب من نصف مليون آخرين.
وتشمل التأثيرات المناخية الأخرى على السودان الزيادة في درجات الحرارة وندرة المياه ما يضع ضغوطًا على المجتمع وقد يجعل بعض الأجزاء من البلاد "غير صالحة للسكن".
وسنويا تشهد البلاد ظواهر مناخية قاسية تستمر في إضعاف البنية التحتية وقبل أن تتمكن البلاد من التعافي جزئيًّا من ظاهرة ما، تضرب البلاد ظاهرة مناخية أخرى أشد من السابقة.
ومع استمرار حالة التوتُّر السياسي باتت قضية تغير المناخ ليس من أولويات الحكومة التي يقودها الجيش السوداني، وهذه حقيقة محزنة لملايين الأشخاص الذين يعانون من آثار تغير المناخ في البلاد.
سيناريوهات مرعبة
بدوره قال الإعلامي السوداني المتخصص في قضايا المناخ طاهر المعتصم، إن تأثير الظواهر المناخية المتطرفة كالفيضانات والجفاف على أهالي السودان تزيد من حجم معاناتهم.
ورجح المعتصم في تصريح لـ"جسور بوست"، زيادة وتيرة صعوبات الحياة على السودانيين خلال شهر أغسطس المقبل، جراء موسم فيضان النيل وهطول السيول التي تهبط من الأعالي إلى المناطق المنخفضة، ما يؤدي إلى دمار العديد من المنازل وقطع الطرق وغيرها من مظاهر الخراب والدمار.
وأضاف: "العام الماضي في نفس التوقيت شهدنا ما حدث في ولاية الجزيرة في منتصف السودان في مدينة المناقل من فيضانات وسيول أدت إلى تهجير المئات وتدمير عدد من المنازل".
وتابع: "للأسف السلطات حتى في وقت السلم قبل اندلاع هذه الحرب لم توفر أي إجراءات وقائية أو استعدادات لتسيير وصول المساعدات الطبية، خاصة وأن الوضع الصحي بالغ السوء ونسبة المستشفيات العاملة ضعيفة جدا".
ومضى المعتصم قائلا: "أتوقع أن تشهد البلاد خلال موسم الفيضانات والسيول أوضاعا سيئة يزيد من وتيرتها التردي البيئي الذي يصاحب هذه الفيضانات والسيول حيث ينتشر مرض الملاريا وتزداد معدلات الإصابة به".
واختتم بعبارة: "السلطات السودانية ليس لديها الاستعدادات اللازمة من فتح المجاري والمصارف لتصريف مياه السيول، أو توفير الأدوية للمصابين أو المبيدات لعدم انتشار البعوض، ما ينذر بوقوع أسوأ السيناريوهات الصحية والبيئية في البلاد".